سورة الشعراء - تفسير تفسير ابن كثير

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الشعراء)


        


{أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هاهنا آمِنِينَ (146) فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (147) وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ (148) وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ (149) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (150) وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ (151) الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الأرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ (152)}
يقول لهم واعظًا لهم ومحذرًا إياهم نقم الله أن تحل بهم، ومذكرًا بأنعم الله عليهم فيما رزقهم من الأرزاق الدارّة، وجعلهم في أمن من المحذورات. وأنبت لهم من الجنات، وأنبع لهم من العيون الجاريات، وأخرج لهم من الزروع والثمرات؛ ولهذا قال: {وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ}. قال العوفي، عن ابن عباس: أينع وبَلَغ، فهو هضيم.
وقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: {وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ} يقول: مُعشبة.
وقال إسماعيل بن أبي خالد، عن عمرو بن أبي عمرو- وقد أدرك الصحابة- عن ابن عباس، في قوله: {وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ} قال: إذا رطُب واسترخى. رواه ابن أبي حاتم، قال: ورُوي عن أبي صالح نحو هذا.
وقال أبو إسحاق، عن أبي العلاء: {وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ} قال: هو المذنب من الرطب.
وقال مجاهد: هو الذي إذا كُبس تهشم وتفتت وتناثر.
وقال ابن جريج: سمعت عبد الكريم أبا أمية، سمعت مجاهدا يقول: {وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ} قال: حين يطلعُ تقبض عليه فتهضَمه، فهو من الرطب الهضيم، ومن اليابس الهشيم، تقبض عليه فتهشمه.
وقال عكرمة: وقتادة، الهضيم: الرطب اللين.
وقال الضحاك: إذا كثر حمل الثمرة، وركب بعضه بعضًا، فهو هضيم.
وقال مرة: هو الطَّلْعُ حين يتفرق ويخضر.
وقال الحسن البصري: هو الذي لا نوى له.
وقال أبو صخر: ما رأيت الطلعَ حين يُشق عنه الكمّ، فترى الطلع قد لصق بعضه ببعض، فهو الهضيم.
وقوله: {وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ} قال ابن عباس، وغير واحد: يعني: حاذقين. وفي رواية عنه: شرهين أشرين. وهو اختيار مجاهد وجماعة. ولا منافاة بينهما؛ فإنهم كانوا يتخذون تلك البيوت المنحوتة في الجبال أشرًا وبطرًا وعبثًا، من غير حاجة إلى سكناها، وكانوا حاذقين متقنين لنحتها ونقشها، كما هو المشاهد من حالهم لمن رأى منازلهم؛ ولهذا قال: {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ} أي: أقبلوا على عَمَل ما يعود نفُعه عليكم في الدنيا والآخرة، من عبادة ربكم الذي خلقكم ورزقكم لتوحدوه وتعبدوه وتسبحوه بكرة وأصيلا.
{وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ * الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الأرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ} يعني: رؤساءهم وكبراءهم، الدعاة لهم إلى الشرك والكفر، ومخالفة الحق.


{قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ (153) مَا أَنْتَ إِلا بَشَرٌ مِثْلُنَا فَأْتِ بِآيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (154) قَالَ هَذِهِ نَاقَةٌ لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (155) وَلا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ (156) فَعَقَرُوهَا فَأَصْبَحُوا نَادِمِينَ (157) فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (158) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (159)}
يقول تعالى مخبرا عن ثمود في جوابهم لنبيهم صالح، عليه السلام، حين دعاهم إلى عبادة ربهم {قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ}. قال مجاهد، وقتادة: يعنون من المسحورين.
وروى أبو صالح، عن ابن عباس: {مِنَ الْمُسَحَّرِينَ}: يعني من المخلوقين، واستشهد بعضهم على هذا القول بما قال الشاعر:
فإن تسألينا فيم نحن فإننا *** عصافير من هذا الأنام المسحر
يعني الذين لهم سُحور، والسَّحر: هو الرئة.
والأظهر في هذا قول مجاهد وقتادة: أنهم يقولون: إنما أنت في قولك هذا مسحور لا عقل لك.
ثم قالوا: {مَا أَنْتَ إِلا بَشَرٌ مِثْلُنَا} يعني: فكيف أوحي إليك دوننا؟ كما قالوا في الآية الأخرى: {أَؤُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ * سَيَعْلَمُونَ غَدًا مَنِ الْكَذَّابُ الأشِرُ} [القمر: 25، 26].
ثم إنهم اقترحوا عليه آية يأتيهم بها، ليعلموا صدقه بما جاءهم به من ربهم فطلبوا منه- وقد اجتمع ملؤهم- أن يخرج لهم الآن من هذه الصخرة- وأشاروا إلى صخرة عندهم- ناقة عُشَراء من صفتها كذا وكذا. فعند ذلك أخذ عليهم نبي الله صالح العهود والمواثيق، لئن أجابهم إلى ما سألوا لَيُؤمنَنَ به، وليصدقنه، وليتبعنه، فأنعموا بذلك. فقام نبي الله صالح، عليه السلام، فصلى، ثم دعا الله، عز وجل، أن يجيبهم إلى سؤالهم، فانفطرت تلك الصخرة التي أشاروا إليها عن ناقة عُشَراء، على الصفة التي وصفوها. فآمن بعضهم وكفر أكثرهم، {قَالَ هَذِهِ نَاقَةٌ لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ} يعني: ترد ماءكم يوما، ويوما تردونه أنتم، {وَلا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ} فحذرهم نقمة الله إن أصابوها بسوء، فمكثت الناقة بين أظهرهم حينًا من الدهر ترد الماء، وتأكل الورق والمرعى. وينتفعون بلبنها، يحتلبون منها ما يكفيهم شربًا وريًا، فلما طال عليهم الأمد وحضر شقاؤهم، تمالؤوا على قتلها وعقرها.
{فَعَقَرُوهَا فَأَصْبَحُوا نَادِمِينَ * فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ} وهو أن أرضهم زُلزلت زلزالا شديدًا، وجاءتهم صيحة عظيمة اقتلعت القلوب عن محالها، وأتاهم من الأمر ما لم يكونوا يحتسبون، فأصبحوا في ديارهم جاثمين، {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ * وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ}.


{كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ (160) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلا تَتَّقُونَ (161) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (162) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (163) وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (164)}.
يقول تعالى مخبرًا عن عبده ورسوله لوط، عليه السلام، وهو: لوط بن هاران بن آزر، وهو ابن أخي إبراهيم الخليل، وكان الله تعالى قد بعثه إلى أمة عظيمة في حياة إبراهيم، وكانوا يسكنون سدوم وأعمالها التي أهلكها الله بها، وجعل مكانها بحيرة منتنة خبيثة، وهي مشهورة ببلاد الغور، متاخمة لجبال البيت المقدس، بينها وبين بلاد الكَرَك والشَّوبَك، فدعاهم إلى الله، عز وجل، أن يعبدوه وحده لا شريك له، وأن يطيعوا رسولهم الذي بعثه الله إليهم، ونهاهم عن معصية الله، وارتكاب ما كانوا قد ابتدعوه في العالم، مما لم يسبقهم الخلائق إلى فعله، من إتيان الذكْران دون الإناث؛ ولهذا قال تعالى:

3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10